همس لها :مثل القمر ياأم رهف..استعجلي تأخرنا على الحفل – صحح يافهد ؟ هل شكلي جيدهكذا أو ألبس القرط الذهبي – لا قلت لك طقم الؤلؤ أجمل مع فستانك الأبيض ياروحي – حسنا ثواني فقط حمل فهد ابنته رهف وتوجه للسيارة في انتظار أن تجهز ريم تذكر الهدية التي كان عليه أن يحملها لأخيه عبدالله القادم من الخارج وعاد ليأخذها من الغرفة فإذا بريم تخرج مستعجلة وتقف أمامه وقف مبهوتا ينظر إليها ابتسمت وهي تنظر لفستانها ويديها لا ..لاتقل أن هناك شيئا خطأ قل لي بسرعة مادمت بالبيت وظل فهد واقفا مبهوتا وهو ينظر لها مليا وهمس شكلك كالملاك بهذا الثوب الأبيض اندفعت من أمامه ربما لتخرج نفسها من هذا الحرج وقالت : سأنتظرك لاتتأخر ضحك فهد بصخب تنتظريني ؟حسنا ..انتظريني ..ثواني كما تقولينها دائما وتمتد لساعات واستمر يضحك
##########
وقف بمنتهى القلق بآخر رواق المستشفى وما إن سمع خطوات الطبيبة حتى ذهب مسرعا إليها ليكمئن على صحة تلك الغالية المسجاة في غرفة منفصلة عن غرفة الولادة وهي تقاسي الآم المخاض وإذا بالطبيبة تنظر بلا مبالاة وتغادر فعرف أنها ليست طبيبة زوجته الخاصة عاد يذرع الرواق جيئة وذهاباً وهو يدعو بالفرج وأن يسهل الله عليها يالله كم كانت مزرقة اللون ضعيفة الأنفاس قبل أن أحملها للمستشفى اللهم سهل عليها وارزقني وإياها الطفل السليم المعافى صرخة مكتومة تلاها عدد من الممرضات يتراكضن وتبعهن وأنفاسه تكاد تنقطع دفعته إحداهن بلطف وهي تقول بالإنجليزية ابق في الخارج لطفاً فحالتها لاتسمح بدخولك لم يعبأ بما تقول واستنجد بالطبيبة دكتورة رولا أرجوك أريد أن أبقى بجانب زوجتي دعيه يدخل ..قالتها وهي لم ترفع رأسها دخل وأمسك بيدها قالت وهي تنظر إليه بمنتهى الخضوع والألم سأموت يافهد ضغط على يدها بشدة لاياحبيبتي تصبري... خذي نفساً وسيكون كل شيء على مايرام وبدأ ضغطها بالتوازن وعادت النبضات أفضل وفهد مستمر بتهدئتها والتنفس معها بهدوء فابتسمت الطبيبة وقالت ليتنا سمحنا له بالدخول من البداية وحدث كل شيء بسرعة فإذا عبودي يطل على الدنيا ويطلق صرخته الأولى وتحضنه ريم على صدرها وهي تبكي ...الحمدلله الحمدلله يخال الناظر لفهد وريم وطفليهما أن السعادة كلها تجمعت لتحيط هذه العائلة بحنانها وأن طيور الحب ظلت مرفرفة حولهم مدة طويلة ولحظات النعيم التي عاشوها لاتقاس بها أي لحظات في هذه الدنيا كان كل مايفعله فهد في نظر ريم أمرمحببومدهش وظلت تعامله دوماً كطفليها تغدق عليه من حنانها تدلله وتعطيه بلا حد لم تغيرها الأيام ولاأي ظرف يعصف بحياتهما الصغيرة لم تتغير عليه يوماً ما وما إن شعر أن ريم صعبة أو عنيدة أو متطلبة كانت دوماً هي الفيء الذي يستظل به من لهيب الحياة هي النبع الذي يسقيه حد الارتواء هي لون الفرح الذي يمحو كل شحوب من أيامه وكذا كان فهد معها رجلاً إنساناً صديقاً وأخاً وأباً وزوجاً لم يخذلها يوماً لم يقصر بعطائه وّإذا أعجزته الظروف لم يبخل بمشاعره وإحساسه توجها ملكة على قلبه وسلطنها على مشاعره لم تكن حياتهم مثالية تماماً ولكن إن كان فيها أخطاء وتجاوزات كأي حياة فتظل حياتهم لها طعمها الخاص الذي لايقدر على صنعه سوى قلبين مترفين بالجمال القلبي كقلبي فهد وريم ولكن !!!! قرأ فهد يوماً ما عبارة على ريم وناولها الصحيفة تقول العبارة ..(كل لحظات السعــــــــــادة في الدنيا محدودة وفانية ،وليعلم كل من كان سعيداً أنه سيدفع ثمن سعادته أضعافاً مضاعفة من الألـــــم والحرمـــــــــــان )..وضحكت ريم علقت قائلة بلا مبالاة ..كلام جرائد..!! ولكن فهد أظلته سحابة من الوجوم شعر أنها مرت به واختطفته حتى من اللحظة الحلوة مع ريم وطفليه الآن ....
###########
لم يمهل المرض ريم طويلاً فبعد الانخفاض الحاد في كريات الدم البيضاء وتكسر الصفائح الدموية بدأت صحتها بالتدهور تدريجياً فقدت النطق أولاً ثم النظر ثم فقدت الحركة تماماً وأصبحت فيما بعد لاتعرف من حولها وفقدت ذاكرتها بالكلية ثم انتقلــــــــــــــــــــــــــــت إلى الرفيق الأعلى......حاملة معها روح فهد الذي بقي جسداً بلا روح أصبح لايستطيع حتى النظر لطفليه ولادخول بيته وظل عاماً كاملاً يتنقل بين العيادات النفسية جسداً خاوية بلا روح ولاإحساس وكان جوابه على كل سؤال الذي لم يتغير أبداً ((لماذااااا تركتني وذهبت ؟؟؟؟)) جرب والداه القسوة ليعود لرشده جربوا اللين جربوا حرمانه من طفليه وجربوا أن يعيش معهم لوحدهم ولكن لاشيء يفيد وبقي أمل وحيد رنـــــــا أخت ريم التي تصغرها بعامين فقط نزوجها لفهد لتلتئم جراحه وهي أكثر من تستطيع رعاية طفلي أختها وتم الأمر وزفت رنا إنسانة بإحساسها ومشاعرها هي قطعاً ليست نسخة من أختها فأصابع اليد الواحده ليست كبعضها كيف بالبشر؟? دخلت ريم حياتها مع فهد كجنة ونعيم ودخلت رنا حياة فهد فمالمست غير الخواء ولاوجدت غير انعدام كل شيء إنها تتمنى أن يبكي ..يغضب ..يضحك..يتملل.. تتمنى أن ترى أي بادرة تدل على أنها تعيش مع إنسان إنه بلا إحساس تماماً تبلد جمود قاتل حاولت مرة ..مرتين..ومائة مرة ..لكن لانتيجة إنه لايستجيب لأي شيءلأنه قبل كل شيء ..لايشعر إنه ببساطة فاقد للإحســــاس وفاقد للقدرة حتى على التواصل وكل ذاك يهون وقد تقول لنفسها هي مسألة وقت فقط ...لكن الأمر وصل لحالة مرضية إنه يرفض التخلص من أي شيء يتعلق بريم إنه يحتفظ حتى بأشيائها الخاصة بكل أدواتها وزينتها وملابسها وأوراقها وكتبها ووصل الأمر به أن طلب ذات مرة من رنا أن ترتدي أحد أثواب ريم أخذ ينظر إليها بضراعة أرجوك يارنــــا لأجلي ألبسي فستانها الأبيض الحريري .. فستان ملاكي الأبيض ريم حبيبتي وانخرط في بكاء هستيري ووقفت رنـــــــا مذهولة إنه حالة مرضية ولن أستطيع التحمل أكثر..
###########
خرجت من بعد أن أخذت حماماً دافئا يريح أعصابها ..وذاك الغريب يقاسي مرارة الغربة وهو معها بنفس الغرفة ولكنها غربته باختياره فليتحمل وحده تبعتها ..هكذا همست رنــــا لنفسها وعند دولاب المرحومة رأته جاثياً مطأطىء الرأس وقفت رنـــــــــا مذهولة تنظر إليه ...تجمد كل الكلام على شفتيها وبقي لسانها جافاً كقطعة الخشب اقتربت تمشي بهدوء وهو لايشعر بها وقطرات الماء لاتزال تنساب على شعرها رأته يحتضن ثوباً حريرياً أبيض بكفيه يعصره ويستنشقه ويغرقه بدموعه سمعت نحيب فهد كما لم تسمع نحيب رجل من قبل ارتجفت أوصالها واقتربت منه أكثر حتى بدأت قطرات الماء تنساب من شعرها عليه وهو لايشعر ضمت أطراف ردائها عليها واقتربت منه لتضع يدها على كتفه فلم يعبأ بها بسم الله عليك مابك يافهد.. أزاحها بعنف ابتعدي عني.. فهد هذا لايصلح قم واغسل وجهك واترك الملابس ريم راحت - رحمها الله- أنا وأطفالك بحاجة إليك فتح فمه ليتكلم لم يستطع فرفع يده ليشير إليها بالخروج وقفت بصلابة وقالت بثبات: ماتفعله قد يؤثر بأي أحد سواي أنا مستعدة لمساعدتك لوساعدتني وتخلصت من هذا الدولاب ..وتذكرت.. ثانياً أن ريم لن تعود لوبكيت عليها عمرك كله ريم مـــــــــاتت ..هل تفهم مامعنى ماتت؟
وبقيا صامتين كالأموات ....وللتو شعرت رنـــــا بفداحة ماقالته .....! ابتسم ..ضحك فهد بوضوح ولكن ضحكته كانت تثير الخوف ثم علا صوت ضحكته أكثر وهو يقول : ياحــــــبيبتي ياريم آذتك أختك بكلامها ....اذهبي يارنـــــا فأنتي طالـــــــــــــــق...................
استغفر الله الذي لاإله إلاهو الحي القيوم وأتوب إليه